موضوع: من أعلام الجزائر الشاعر صالح خرفي الثلاثاء أبريل 01, 2008 12:18 pm
الشاعر والأديب صالح خرفي في الرابع والعشرين من شهر نوفمبر 1998م غادرنا الدكتور صالح الخرفي إلى جوار ربه، هذا الرجل الذي يحق لنا أن نعده أحد أعلام الجزائر المعاصرين، بما تركه من وقع في المسار الثقافي والعلمي لجزائر الاستقلال، وبما خلد لنا من أعمال وإنتاج فكري وأدبي زاخر يبقى شاهدا على جهوده ومساعيه في سبيل تنوير أبناء الجزائر. في هذه الذكرى الثانية لرحيل الرجل نرى أنه من أقل واجبنا نحوه أن نقف لحظات مع حياته ومساره، مشيدين بأعماله ومذكرين بجهاده في سبيل دينه ووطنه، حتى نكشف عليه للأجيال الصاعدة ونعرف بشخصيته لتكون مثالا يقتفى ومنهاجا يتبع ومشعلا يستنار به، وحتى لا نتركه لرياح النسيان والتهميش تنال منه كما نالت من الكثير أمثاله من نبغاء الجزائر وأعلامها. الدكتور صالح الخرفي مثال للطموح الذي يجعل من الإنسان الذي لم يكن شيئا مذكورا إنسانا فعالا مؤثرا وصانعا للكثير من الأحداث التي سجلها التاريخ في دفته بأحرف من ذهب.
بهذا الطموح المتوقد في نفسية صالح الخرفي الفتى جعله يتنقل من بلدته التي كانت في وسط صحراوي ناء ومنعزل إلى أكبر المحافل العلمية والأدبية والسياسية في مختلف الأوطان الإسلامية والعربية مشرقا ومغربا حاملا رسالة بلده ومسمعا صوته. وبعد أن بلغ ما بلغ وأصبح صالح الخرفي الدكتور والأديب والشاعر فإنه لم يتنكر يوما لوطنه ولا لبلدته، ولم ينس يوما فضل من سبق فضله عليه في ميدان التربية والتعليم ومن غرس في قلبه ذات يوم بذور الصلاح وقيم الأخلاق ومبادئ الإسلام، فاحتفظ بهذا الجميل في وجدانه ورده لوطنه ولأهله كلما سمحت الفرصة، واقتضى الأمر. كان يعقد الزيارات المتتالية إلى وطنه وإلى موطنه الأول مسقط رأسه ليتفقد أحوال مشايخه ورفاق دربه العلمي والاجتماعي ويساهم بما خصه الله تعالى من تجربة وخبرة في مجال الثقافة والإدارة في كل ما يعرض عليه من مشاريع وبرامج لخدمة أهله وطنه وإصلاح أوضاعه وتحسين أحواله. وكم تألم لما آلت إليه الجزائر في أزمتها ومحنتها وكم كان يدعو إلى لمّ الشتات وتناسي الضغائن وجمع الكلمة وإبعاد الفرقة، ليوحد الصف من جديد وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، وقد كان يقول أن الجزائر تعيش مرحلة مخاض، سيتولد منها خير ومنفعة للأجيال الآتية، وأن تجربتها هذه ستكون مثالا لكثير من الدول الإسلامية والعربية في مجالات عديدة من الحياة(1). بعد هذا التقديم أحاول الوقوف مع أهم المحطات في حياة الدكتور صالح الخرفي والعوامل المؤثرة في شخصيته:
1- الترجمة الذاتية والسيرة العلمية والعملية: صالح بن صالح الخرفي من مواليد بلدة القرارة بوادي ميزاب سنة 1932م، التحق بمدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء بباتنة سنة 1938م، ثم عاد إلى القرارة ليستكمل دراسته الابتدائية بمدرسة الحياة، فاستظهر كتاب الله العزيز سنة 1946 وهو لم يبلغ سنة التكليف، ثم التحق بمعهد الحياة ليزاول دراسته الثانوية، وهنالك تفتقت مواهبه فنهل من أصول العلوم الشرعية والأدبية، وعرف العلاقة الوطيدة بين الأخلاق والمعرفة. غادر الجزائر سنة 1953 موليا وجهه شطر تونس الخضراء لمواصلة مشواره العلمي في جامع الزيتونة ومدارس الخلدونية. وجلس بين يدي علمائها فترة من الزمن مغترفا من حلقاتهم ألوانا من العلوم الشرعية والفنون الأدبية. في تونس كانت له نشاطات أدبية وثقافية متنوعة شارك بها في محافل ولقاءات عديدة، كما كان له إلى جانب ذلك نشاط صحفي وإعلامي، حيث أسهم بمقالاته في الصحافة التونسية وأذاع في قنواتها بما كانت تجود به قريحته من الشعر، وبما كان يمليه قلمه من أفكار حول ثورة الجزائر المباركة وقضيتها العادلة، فعمل على استنهاض همم الجالية الجزائرية المتواجدة في تونس، كما استنهض الشعب التونسي ليقف مع إخوانه في جهادهم ضد المستعمر الفرنسي الغاصب. وقد كان يكني نفسه في هذا العمل بأبي عبد الله صالح، ليستخفي من أعين الاستعمار ومتابعاته. ومع الطلبة الجزائريين كان له حضور ونشاط آخر مع رفاقه الذي غادروا الجزائر لنفس المهمة والهدف، فجمعهم العمل الطلابي تحت مظلة منظمة اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين بفرع تونس سنة 1956م، فكان عضوا في إدارتها. وتمثيلا للقضية الجزائرية وتعريفا لها سافر من تونس إلى المشرق بجواز سفر تونسي يحمل اسما مستعارا هو "حمودة الحبيب" وشارك به في ملتقيات أدبية ومحافل علمية. مخاطبا ومدويا بالقضية الجزائرية، وملقيا القصائد الشعرية ومتغنيا بثورة الجزائر وبطولاتها المجيدة. إلى أن أتت سنة 1957 حيث أتاحت له الظروف بعد محاولات كثيرة أن ينتقل إلى مصر ويستقر في القاهرة لمواصلة مشواره الدراسي في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة. فتحصل سنة 1960 على شهادة الليسانس. عاد بعد ذلك إلى تونس ليتولى مهمة كلفته بها وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة الجزائرية ألا وهي التعبئة السياسية في صفوف اللاجئين الجزائريين في الحدود التونسية الجزائرية في المنطقة الرابعة المعروفة بمنطقة الكاف. واستمر عمله هناك إلى فجر الاستقلال. دخل أرض الوطن بعد الاستقلال مباشرة وعمل مسؤولا للعلاقات الثقافية بين الجزائر والبلاد العربية في وزارة التربية الوطنية. كما أن طموح شارعنا وأديبنا جعلاه لا يرضى بمستواه العلمي ويتطلع إلى ما هو أعلى ويسعى للحصول على أرقى الدرجات والمراتب العلمية، حيث سجل رسالته للماجستير في نفس الجامعة التي تخرج منها بالقاهرة، فأعد بحثا حول شعر المقاومة الجزائرية ونال به شهادته سنة 1966 بتقدير امتياز، وأثناء سنتي 1968 - 1969 أقام في القاهرة متفرغا لإعداد أطروحة الدكتورا بنفس الجامعة في موضوع الشعر الجزائري الحديث، فنالها سنة 1970م. خلال فترة الستينات كان شاعرنا متفرغا للعمل العلمي الأكاديمي مساهما في تكوين أجيال الاستقلال الأولى، فبالإضافة لانشغاله بإعداد بحوثه الجامعية فقد دخل الجامعة سنة 1964 مدرسا في معهد اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر وتدرج في سلكها الوظيفي من أستاذ مساعد إلى أستاذ محاضر، كما تولى رئاسة المعهد من سنة 1971 إلى سنة 1976. إلى جانب عمله في الجامعة فإن الأستاذ كان حاضرا في مجالات أخرى للثقافة والمعرفة حيث تولى رئاسة تحرير مجلة الثقافة الصادرة من وزارة الثقافة بين سنة 1971 – 1976. وكان ضمن المثقفين الجزائريين الأولين الذين فكروا في تأسيس اتحاد الكتاب الجزائريين ووضعوا اللبنات الأولى لصرخه العظيم وأعطوا الدفعات الأولى لانطلاقه سنة 1964. كما كان ضمن الداعين إلى تعريب الجامعة الجزائرية فأسهم بجهوده وآرائه في المناهج العلمية والطرق والخطوات المتبعة لأجل تحقيق ذلك فعمل ضمن اللجنة الوطنية للتعريب التي أنشأتها وزارة التعليم العالي والبحث والعلمي من 1971 إلى سنة 1976. كما كان عضوا في لجنة إصلاح التعليم العالي التابعة لوزارة التعليم العالي سنة 1971. بعد أن أسهم بجهوده العلمية في خدمة وطنه والرفع من المستوى المعرفي لأبنائه مدة خمسة عشر سنة، اختاره بلده ليمثله في الخارج في منظمة الجامعة العربية، فما كان منه إلا أن يستجيب للطلب ويحزم رحاله للانتقال إلى جمهورية مصر العربية ويحل بالقاهرة موطن تكوينه العلمي ونضجه المعرفي. غادر الجزائـر سنة 1976 ملتحقا بعمله في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فمكث في القاهرة إلى بداية الثمانينات، ثم نقل مقر المنظمة من القاهرة إلى العاصمة تونس بعد اتفاقية "كامديفد" بين مصر وإسرائيل، وانتقل بدوره للعمل في تونس. كما تولى رئاسة تحرير مجلة المنظمة المسماة "المجلة العربية للثقافة' سنة 1981م. وبقي مشتغلا فيها إلى سنة تقاعده في بداية التسعينات. خلال كل هذه الفترة التي قضاها الأستاذ خارج بلده كان وفيا له في تمثيله أحسن تمثيل، وفي زيارته كلما سمحت له ظروفه بذلك، ومشاركة أهله وإخوانه في أفراحهم وأعيادهم والإسهام بخبرته وتجربته وآرائه في كل ما ينفع بلده. وكذا الإسهام بملكته المعرفية الغزيرة في الملتقيات العلمية والأدبية والشعرية والتحليق بالناس بما جادت به خواطره من جولاته ولقاءاته في ربوع البلدان العربية مشرقا ومغربا؛ التي كان يزورها بين الحين والآخر في إطار أعماله ضمن المنظمة العربية. إن العمل الإداري الذي مني به أديبنا في المنظمة العربية لم يجعله ينقطع أبدا من الساحة العلمية الثقافية أو يبتعد عنها، إذ أن قلمه بقي سيالا مبدعا متجددا طوال حياته. ولأستاذنا مشاركات في عدة بحوث علمية في إطار عمله في المنظمة العربية نذكر منها: ـ مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، سنة 1985 ـ العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الإفريقية سنة 1985 ـ من قضايا اللغة العربية المعاصرة، سنة 1990 (2) في بداية التسعينات نال أديبنا تقاعده المهني وجدد العزم للانطلاق في رحلة البحث والمعرفة؛ ولم يكن هذا التقاعد نهاية لنشاطاته العلمية واستكانة إلى الراحة أو توجيها لاهتماماته إلى مجالات أخرى خارج الثقافة والعلم كما يحلو للبعض من أمثاله أن يفعل حين بلوغهم مثل هذا العمر، بل كانت هذه المحطة بداية جديدة له في الجهاد بالقلم والكلمة في كتابة التاريخ وفي التعريف بأصول هذه الأمة وجذورها وكشف الحجب عن عظمائها ومقوماتها. فضل شاعرنا البقاء في الغربة بتونس مواصلا فصلا آخر من الجهاد تمثل في الاهتمام بتاريخ الحركة الوطنية التونسية، باحثا عن وثائقها وجامعا أرشيفها منقذا إياه من الضياع والإتلاف الذي مس الكثير منه، فاهتم بشخصية الشيخ عبد العزيز الثعالبي التي طمس كل أثر لها في تونس حتى كاد لا يعرفه ولا يذكره أحد من المثقفين التونسيين فكيف بعامتهم؛ وهو الذي كان القائد المخلص لدينه وشعبه ووطنه ضد المستعمر الفرنسي، وضحى بكل ما يملك وأفنى حياته في خدمة قضية شعبه، وترعرعت على يده وانطلقت الدفعات الأولى للحركة الوطنية التونسية التي كان لها الفضل في استقلال تونس من بعد(3). جمع عمله وأخرجه إلى نور الحياة كتابا يروي تفاصيل حياة الزعيم التونسي وجهاده وجهوده الجبارة في سبيل نيل تونس استقلالها عنونه بـ: الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من آثاره وأخباره في المشرق والمغرب ثم حقق أحد كتبه الذي بقي لفترة طويلة مخطوطا لم يول له الاهتمام، وبقي مغمورا لا أحد يعرف عنه شيئا، وهو بعنوان: الرسالة المحمدية(4). وأثناء عمله هذا كان الدكتور صالح الخرفي يترقب ويتوقع أي رد فعل من السلطات التونسية، قد يكون طردا من تونس إلى الأبد أو متابعات قضائية قد تنتهي به إلى غياهب السجون، أو ملاحقات ومضايقات واستنطاقات. لكن إيمانه بالقضية جعله لا يبال بكل هذا واندفع وراء إنجاز مهمته بكل ثقة وتوكل على ربه، وإيمان بمهمته. وفعلا فإن الله تعالى قد حقق له أمنيته ووفقه ليرى ثمار جهوده وبلغه أن يشهد طبع بحثه وإدخاله إلى تونس وأن يلقى صدى طيبا لدى عامة الشعب ولدى الطبقة المثقفة منه خاصة، فعرّف بالكتاب واهتمت به الصحف ودارت حوله حصص إعلامية(5). ولعل العناية الربانية بشاعرنا كانت تحوم به من كل جهة وتحط أجنحتها بين أجنبه حيث عرف عليه في الشهور الأخيرة قبيل وفاته انكبابه على تلاوة القرآن الكريم والتعمق في معرفة أحكامه من بعض التفاسير التي كانت بين يديه(6). وهكذا ختم الله تعالى أنفاسه في هذا الجو المهيب في تونس العاصمة بعد مرض مفاجئ أصابه وقبض روحه وصعد إلى باريه في يوم 24 نوفمبر من عام 1998م. ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه بالقرارة بوادي ميزاب وووري التراب في محفل مهيب حضره عدد من مسؤولي الدولة وإطاراتها وجمع من أصدقائه ومشايخه الذين شهدوا بقاءه على العهد وجموع غفيرة من أهله وأقربائه ممن عرفوه وأحبوه، فأتوا ليودعوه لآخر مرة ولينم بالقرب منهم بعد أن قضى حياته في المهجر بعيدا عنهم
.
زائر زائر
موضوع: رد: من أعلام الجزائر الشاعر صالح خرفي الثلاثاء أبريل 01, 2008 12:21 pm
صحة حديث ابن حنيف رضي الله عنه في التوسل بالمقربين أحياءً ومنتقلين
بقلم المحدِّث الشيخ سلامة العزامي رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
أخرج الأئمة الحفاظ ابن خزيمة في صحيحه _ وهو عند أهل هذا الشأن قريب من صحيح الإمام مسلم في الدرجة _ والنَّسائي في كتابه _ عمل اليوم والليلة _ والترمذي في جامعه وقال : حسن صحيح غريب يعني بالنسبة لتفرد أبي جعفر عمير بن يزيد الخطمي المدني ثم البصري وهو ثقة ، وابن ماجه ، والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي :
عن عثمان بن حُنيف _ بالتصغير _ أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه فشكا إليه ذهاب بصره فقال له صلى الله عليه وسلم : ﴿ إن شئت صبرت فهو خير لك ﴾ فقال : يا رسول الله إنه قد شقَّ عليَّ فقد بصري ، وليس لي قائد ، فأمره صلى الله عليه وسلم أن ينطلق فيتوضأ ويحسن الوضوء ويصلي ركعتين ، ثم يدعو بهذا الدعاء ولفظه عند الترمذي : ﴿ اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهمَّ فشفِّعه فيَّ ﴾ . قال عثمان : فوَ الله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرٌّ قط .
فهذا حديث صحيح صريح في أمره صلى الله عليه وسلم لذوي الحاجات بالتوسل وندائه في مغيبه في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم منه ذلك فإنَّ أمره صلى الله عليه وسلم للواحد من أمته متوجه لكل الأمة في جميع الأزمنة مالم يقم دليل على التخصيص ، فكيف إذا قام الدليل على عدمه ؟
فقد روى الطبراني في معجمه الكبير والصغير أنَّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له ، وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف رضي الله عنه فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصَّل فيه ركعتين ثم قل :اللهمَّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، ورح حتى أروح معك ، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان رضي الله عنه ، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة _ وهي بتثليث الطاء والفاء بينهما نون ساكنة _ والمراد بها هنا البساط الذي يجلس عليه الأمير خاصة وقال : ما حاجتك ؟ فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال : ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ! وقال : ما كانت لك من حاجة فأتنا ، ثم إنَّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له : جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلَّمته فيَّ ، فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ...وساق قصة الضرير .
قال الطبراني : والحديث صحيح ، ورواه البيهقي في دلائل النبوة بسند جيد .
فهذا ابن حُنيف الراوي للحديث المشاهد للقصة يعلِّم من شكا إليه إبطاء الخليفة عن قضاء حاجته هذا الدعاء الذي فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والنداء له مستغيثاً به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، ولمَّا ظنَّ الرجل أنَّ حاجته إنما قضيت بسبب كلام عثمان مع الخليفة بادر ابن حُنيف بنفي ذلك الظن وحدثه بالحديث الذي سمعه وشهده ليثبت له أنَّ حاجته إنما قضيت بتوسله به صلى الله عليه وسلم وندائه له واستغاثته به ، وأكَّد ذلك بالحلف أنه ما كلم الخليفة في شأنه .
ومما لاشك فيه أن يعلِّم هذا الرجل الدعاء لأحبائه ويشيع هذه البركات التي نالته بتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم واستغاثته به بعد وفاته ، والعهد عهد الصحابة والتابعين وتتابع أهل العلم ومن أخذ عنهم على العمل به ولم ينقل عن أحد من السلف والخلف أنه قال عن ذلك إنه شِرك بل ولا قال أحد بالكراهة فضلاً عن الحرمة بل ذكروا أنه من السنن ووضعوه في كتب السنن وعمل اليوم والليلة وغيرها ، وهذه الكتب متداولة بين أهل العلم رواية ودراية ، فهل يعقل أن يكون فيها الشرك مأثوراً عن الصحابة والتابعين ، ويسكتوا عن بيان وضع تلك وما أشبهها من الأثار ؟
وهؤلاء العلماء بفقه أصول الدين وفروعه قد بسطوا للناس ما يخرج عن الملة من اعتقاد وعمل ، فلم نر بينهم أحداً عدَّ التوسل بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم أو ندائهم على وجه الاستغاثة من قواطع الإسلام ، بل الذي نجده منصوصاً عنهم أنَّ التوسل من سنن الدعاء كالصلاة عليه أوله ووسطه وآخره وأنَّ الاستغاثة من موجبات تنَزُّل الرَّحمات وسرعة قضاء الحاجات .
أفيجوِّز عاقل أن يروِّج حماة الملة وفقهاء الأمة هذا الشِّرك الأكبر على الناس _ حاشا _ ولو جوَّز سفيه ذلك على العلماء حماهم الله أفيجوز ذلك على سيِّد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي جاء لمحو الشرك فيسكت عن التنبيه على أنَّ فعل ذلك بعد وفاته شرك ولا يقول : إياكم والتوسل بي بعد وفاتي ، وإياكم أن تنادوني فإنكم بذلك تخرجون عن الملة ، وهل مقام نبي الله صلى الله عليه وسلم يجوِّز عليه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وقد استقرينا طرق هذا الحديث الصحيح فما وجدنا فيها هذا النهي بل جاء في بعض طرقه زيادة مؤكدة لما قررنا وهي قوله صلى الله عليه وسلم لذلك الضرير : ﴿ وإن كان لك حاجة فمثل ذلك ﴾ أي فافعل مثل ذلك .
والذي نرجو أن يمنَّ الله تعالى على كل أخٍ في الدِّين في ألا ينخدع بما يكتبه المبتدعة ويزعمونه من الإجماعات المخترعة والنقول الكاذبة والأكاذيب المتتابعة على علماء الأمة بأنهم قائلون بأنَّ التوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم وزياراتهم للتبرك بهم بدع وكفر وشرك وغير مشروع وحرام ، وأمثال هذه الكلمات فإنك إذا استقريت كلام العلماء قبل أولئك المبتدعة وما هم عليه رأيتهم على اتفاق على أنَّ زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين ونداءهم والاستغاثة بهم والتوسل بهم إلى الله عزَّ وجلَّ وبما يتعلق بهم من أقوى الأسباب التي وضعها الحكيم العليم لاجتلاب البركات واستنْزال الرحمات واستجابة الدعوات وسرعة قضاء الحاجات .
اقرأ أيها الأخ صحاح السيرة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان تجدهم كانوا متوسلين متبركين بماء وضوئه صلى الله عليه وسلم ، ومن لم يصبه من الماء أخذ من بلل صاحبه ودلك به ما استطاع من بدنه ، ويتبركون بريقه وشعره وبعرقه ، وكان عند خالد بن الوليد رضي الله عنه شعرات من شعره صلى الله عليه وسلم وضعهن في قلنسوة له إذا تعسَّر عليه النصر لبسها ، وكانوا يستشفون بغسالة ما ادخروه من ملابسه فيأتيهم الشفاء ، وهذا بحر لا ساحل له فاطلبه من مظانِّه ، وكل ذلك توجه إلى الله تعالى بما له تعلق به صلى الله عليه وسلم وهي ذوات لا أرواح فيها ، ولا يتصور منها دعاء للتوسل ولا شفاعة ، فإذا صحَّ استنْزال رحمة الله تعالى بما هو من الجمادات لتعلقها من قرب أو بعد بذاته الشريفة أفلا يصح بالأولى التوسل بذاته الشريفة وبذوات سائر أحباء الله عزَّ وجل ، ذلك مما لا يتوقف فيه غافل فضلاً عن محقق فاضل .
فقول العلَّامة السيد محمود الألوسي رحمه الله تعالى بمنع التوسل بالذات البحت وأنه غير معقول عند ذوي العقول زلة ذهن أزلقه فيها تمويهات تلك الشرذمة من المبتدعة وما كان يخفى على مثله هذا ولكنَّ القريب من نافخ الكير لا يسلم من ضرر .
وقد تعقبه معاصره العلامة الشريف محيي السنن وقامع البدع الشيخ داود بن سليمان البغدادي النقشبندي رحمه الله تعالى برسالة قيِّمة لم تدع غباراً على هذه المسألة إلا كشفته وهي من مطبوعات العراق ، وكذلك تعقبه العلامة الشيخ إبراهيم السمنودي أسبغ الله عليهم جميعاً شآبيب رحمته .